"كان بإمكانهم اعتقاله بعد محاصرته داخل مطار قلنديا العسكري ... لكنهم فضّلوا إطلاق النار على أخي لقتله ، فهم مجرمون و متمرسون في الإرهاب .... كان بإمكانهم إسعافه بعد إصابته لكن أيّاً من جنود الدورية التي أطلقت النار عليه لم يقم بتقديم العلاج اللازم له .... لم يسمحوا لأحد بنقله لإنقاذ حياته إلا بعد ساعتين ... بعد أن تأكّدوا من استشهاده رغم أنه طفل لم يتجاوز الإثني عشر ربيعاً" .
بهذه الكلمات بدأ محمد شقيق الشهيد الطفل أحمد ثابت طه أبو لطيفة حديثه عن قصة إعدام أخيه بدمٍ بارد على أيدي قوات الاحتلال الصهيوني التي طاردت مجموعة من الأطفال في محيط مطار قلنديا المحاذي لمخيم قلنديا شمالي القدس المحتلة يوم الأحد الماضي .
و يضيف أحمد : "لو أنهم قاموا بإسعافه كما ادعوا لضباط الإسعاف التابعين للهلال الأحمر لما وجدنا أخانا ملطخاً بدمائه في مستشفى رام الله ، فمن يسعف مريضاً يبدأ أولاً بإزالة الدماء التي نزفت على جسمه قبل أن يقدّم له أي نوع من العلاج ، و هذا يثبت زيف الادعاءات الصهيونية بتقديم العلاج إلى أخي الشهيد على أيدي ضباط إسعاف من نجمة داود الحمراء كما ادعى جنود الاحتلال" .
والد الشهيد الذي لم يتمالك نفسه و أجهش في البكاء و لم يتحدّث إلا القليل عن أصغر أطفاله أحمد و قال : "إنه فداء لفلسطين و لن و لم يكون الأول و حتماً لن يكون الأخير ، و أنا أحتسبه شهيداً عند الله كغيره من الشهداء" .
صديق الشهيد : ظننا أنهم اعتقلوه !!
الطفل أسامة حماد صديق الشهيد الذي حضر إلى مستشفى رام الله اليوم لوداع صديقه يروي تفاصيل ما حدث يقول : "رغم أن بيتنا بعيد نسبياً عن مطار قلنديا المحاذي إلا أنني و أحمد قرّرنا في الساعة الرابعة مساءً الذهاب لإلقاء الحجارة على جنود الاحتلال الموجودين في مطار قلنديا ، و بعد أن وصلنا مقطعاً من الجدار الفاصل الذي تقيمه قوات الاحتلال بالقرب من المخيم ، بحثنا عن فتحة و تمكّننا من الدخول و الوصول إلى المطار لإلقاء الحجارة على دوريات الاحتلال .
و لكن ما حدث أن جنود الاحتلال الذين تمركزوا على الأبراج التي أقاموها على طول الجدار الفاصل لاحظوا دخولنا و اتصلوا بدورية من جيش الاحتلال ، و فور دخولنا حضرت الدورية فسارعنا في الفرار ، نجحنا جميعاً في الفرار ما عدا أحمد الذي كنا نتقدّمه بمسافة قليلة و لم يتسنَّ له العودة ، عدنا إلى منازلنا و كأن شيئاً لم يحدث معتقدين أن جنود الاحتلال سيعتقلون و يحقّقون معه ثم يطلقون سراحه" .
لكن ما حدث غير ذلك ، فجنود الاحتلال الذين كان في استطاعتهم اعتقاله بسهولة ، أطلقوا عياراً نارياً واحداً تجاه جسده الصغير اخترقه من جهة يده اليمنى ليخرج من الجهة اليسرى ، مخترقا قلب الشهيد الذي أصيب بنزيف حاد ، و ترك ينزف حتى الموت بحسب تقرير الطبيب الشريعي الذي قام بتشريح الجثة التي وصلت إلى مستشفى رام الله في ساعات الليل الأولى .
أصحابه يتذكّرونه :
و أما الطفل محمد الشوعاني "12 عاماً" أحد طلبة الصف السابع الأساسي في مدرسة وكالة الغوث في المخيم ، و هو ذاته الصف الذي يدرس فيه الشهيد يقول عرفنا أحمد طالباً مجتهداً مشاكساً دائم المزاح و الحركة و اللعب ، و رغم اجتهاده إلا أنه لم يدّخر جهداً في أي مواجهات كانت تقع عند اقتحام جنود الاحتلال المخيم ، كان دوماً يكون من المبادرين لإلقاء الحجارة على جنود الاحتلال .
و يضيف الطفل محمد : "كان لاستشهاد صديقنا الطفل عمر مطر بداية انتفاضة الأقصى تأثيراً كبيراً على نفسية أحمد ، فبعد استشهاده تغيّر و أصبح يتحدّث عن صديقه عمر و عن استشهاده ، و عن فضل الشهداء الذين يسقطون فداءاً لفلسطين ، و أنه سيكون يوماً شهيداً فداء لفلسطين على خطى صديقه عمر الذي سبقه إلى الجنة" .
عائلة الشهيد :
تربّى أحمد وسط حنان عائلة مكوّنة من ثلاث صبية و أربعة بنات رأوا النور في مخيم قلنديا للأجئين أحد ثلاث مخيمات موجودة في مدينة رام الله و هي الجلزون و الأمعري ، و كما كلّ سكان المخيمات فعائلة الشهيد لاجئة من قرية "صرعة" إلى الجنوب الغربي من مدينة القدس المحتلة احتلتها قوات الاحتلال في عام 1948 و قامت بهدمها و طرد سكانها إلى الضفة الغربية ليستقروا أخيراً في مخيم قلنديا .
هذا و اندلعت مواجهات عنيفة بين المواطنين مساء أمس في أعقاب استشهاد أحمد ، و هبّ شبان المخيم يلقون الحجارة صوب جنود الاحتلال الذين حاولوا اقتحام المخيم ، و استمرت هذه المواجهات حتى ساعات فجر اليوم الأولى ، حيث انسحب الجنود دون إتمام عملية الإقتحام .
ووري جثمان الشهيد الثرى إلى مثواه الأخير في الدنيا في مقبرة مخيم قلنديا عقب صلاة ظهر اليوم في جنازة مهيبة حضرها المئات من أبناء المخيم و الأحياء و القرى المجاروة .
و باستشهاد أحمد طويت صفحة أخرى من صفحات الإجرام الصهيوني بحق الأطفال الفلسطينيين ، الذين استشهد منهم ما يربو عن 450 طفلاً خلال انتفاضة الأقصى المندلعة منذ أكثر من ثلاث سنوات .